References for this paper are not available at this time. We will be adding them shortly, thank you for your patience.
المقدّمةالأملُ موضوعةٌ حاضرة في آداب حضارات العالم، وحضورُها قويٌّ في تراثنا العربيّ، ومن تجلّيها تعالُقها بالبنية النصّيّة من خلال المعطيات النحويّة، لا سيّما مُعطى إطالة الجملة أو امتدادها بوسائل الاستطالة المختلفة. ومن الوسائل التي عالجها البحث طولُ التعدُّد وطول التعاقب في شعر إبراهيم طوقان، وخاصّةً شعره المعقود للأمل والتفاؤل نصًّا أو تضمينًا. وما كان اتّخاذ شعر طوقان مدوّنةً للبحث إلّا لتصويره كثيرًا من المعاناة بسبب ما يدور في محيطه من أحداث، وتناوله أغراضًا كالغزل والوصف والهجاء وانتقاد الوطن وغير ذلك، فيتجلّى في كلٍّ منها ما يتطلّع إليه الشاعر من انفراجةٍ أو أملٍ ما.وتدخل في حقل الأمل المعجميّ مفاهيم كثيرة، نحو الحرص، والأمل، والحياة، والطمع، والرجاء، والأجل، والوطن، والمحبوبة. وهو ما يُفضي إلى القول بأنّ سَبْر الأبعاد الدلاليّة لتجلّي مثل هذه المفاهيم يُسهم في فهمٍ أعمق للسياقات الأدبيّة من جهة تجلّيها باستثمار المعطيات النحويّة المختلفة؛ وذلك أنّ الشاعر عامّة قد يتحدّث في موضوعٍ ما ثمّ تراه ينسلخ إلى الأمل في تعبيره أو يسعى إلى إسقاط الأمل مستفيدًا من المعطيات النحويّة، وهذا ما حدث لدى طوقان، يقول عمر فرّوخ:وإذا أراد إبراهيم أن ينظم في مناسبةٍ أو إذا اضطرّ إلى النظم فيها، فإنّه عادةً ينصرف عن تلك المناسبة إلى موضوع عامّ من الأدب أو الوطنيّة أو الأخلاق والتاريخ. لمّا رثى إبراهيم موسى كاظم باشا الحسينيّ قال له أحدهم: ’أراك اتّكأت على الرجل ثمّ انصرفت عنه إلى بحث آخر.‘ وقال له نفرٌ آخرون مثل هذا أيضًا، فعقّب إبراهيم على هذه الأقوال بقوله: ’لا أُنكرك يا عمر أنّني سُرِرْتُ بهذه الشهادات، وعلمتُ منها أنّني لم أعْدُ الغرض الذي أردته في تأبين الباشا.‘ وإبراهيم يحبّ البحث لا الدعاية.1إنّ الحديث عن علاقة الأمل بطول التعدّد وطول التعاقب يكمن في مهارة مُنشئ النصّ في الاستفادة من هذا أو ذاك في التعبير عن مراده. فيتجلّى الأمل مستثمرًا طول التعدّد في الوظائف النحويّة، نحو المفعول به والخبر والنعت والحال، أمّا تجلّيه من خلال طول التعاقب، فذلك يكون في الجمل التي تعاقب المفرد، في مواضع الخبر، والحال، والنعت، والمضاف إليه، والمفعول به، مع بيان كيفيّة إطالة الجملة بهذه الوسائل ودلالة ذلك.2ومن ثَمّ فإنّ هذا البحث يهدف إلى بيان ما يريد الشاعر التعبير عنه من انفراجةٍ أو أملٍ تصريحًا أو تلميحًا من خلال البناء النحويّ للنصّ، وهو ما يُفصِح عن مهارته في استثمار هذه المعطيات للتعبير عن مراده في إطار النسج الشعريّ، وذلك باعتماد المنهج الوصفيّ المتّخِذ من الاستقراء والتحليل أداتين له في ضوء كتابات القدماء والمحدثين.1المبحث الأوّل: تعالُق الأمل بالبنية النصّيّة من خلال طول التعدّدإنَّ تجلّي ثيمة الأمل في المعطيات النحويّة المتمثّلة بإطالة بناء الجملة، من خلال تعدُّدها، هو ما يمكِّن الشاعر من الوفاء بغرضه، فقد ”كفل النظام اللغويُّ لعددٍ من الوظائف النحويّة أنْ يتعدّد في الجملة الواحدة. وبعضها يتعدّد إلى حدٍّ معيّن، وبعضها يتعدّد بلا تحديد، والمقصود بالتعدُّد هنا أن يكون بغير وسيلة التشريك، بواسطة حرف العطف بطبيعة الحال.“3 وتتعدّد الجمل بالمفعول به، والخبر، والنعت، والحال.1.1المطلب الأوّل: تعدُّد المفعول بهتتجلّى ثيمة الأمل في شعر إبراهيم طوقان في البنية النصّيّة والاستطالة النحويّة بتعدّد المفعول به، فهو الذي يقع عليه فِعل الفاعل؛4 ومن ثَمّ فهو وظيفةٌ نحويّة مؤثّرة في الجملة – وإن كان يُعَدّ من الفضلات –5 يقول عبد القاهر الجرجانيّ (ت 471/1078): ”وممّا ينبغي أن يُحصَّل في هذا الباب، أنّهم قد أصّلوا في المفعول وكلِّ ما زاد على جزئي الجملة، أنّه يكون زيادة في الفائدة. وقد يتخيّل إلى مَن ينظر إلى ظاهر هذا من كلامهم، أنّهم أرادوا بذلك أنّك تضمُّ بما تزيده على جزئي الجملة فائدة أخرى، وينبني عليه أنْ ينقطع عن الجملة، حتى يُتصوَّر أن يكون فائدة على حِدَة، وهو ما لا يُعقل.“6 وهو ما أؤيِّده.1.1.1أوّلًا: التعدّد في الأفعال المتعدّية إلى مفعولين أصلهما المبتدأ والخبرتتجلّى ثيمة الأمل في تعدُّد الأفعال المتعدّية إلى مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، وقد بدا ذلك لدى إبراهيم طوقان، سواءٌ أكان من خلال أفعال القلوب (اليقين أو الرجحان) أم من خلال أفعال التحويل أو التصيير.7 وأكتفي بالتمثيل للتعبير عن ثيمة الأمل من خلال دور أفعال اليقين، ومن ذلك ما جاء في قصيدة ”حطِّين“ وفيها قول الشاعر:8يتحدّث الشاعر عن معركة حطّين آملًا أنْ تحرّك كلماته همّةَ أبناء فلسطين والشعب العربيّ عامّةً مُشيرًا إلى أنَّ هذا اليوم لا ينكرُه مُحِقّ، ثمّ جاءت الجملة الفعليّة الخبريّة المثبَتة (وتَرى السهامَ مُقوَّمَاتٍ، فوق أجسامٍ حَوانِ) للدلالة على كون الرؤية قلبيّة من أجل الإدلاء بأنّ ثمّة يقينًا وتأكيدًا لمعرفة كونِ السهام في معركة حطِّين سِهامًا مُقوَّمَةً، ليس فيها انحناءٌ، فوق أجسام أُناس، وصفها الشاعر بأنَّها محكومة بالقبر في الحوانيت. ولو اقتصر الشاعر على المفعول الأوَّل (السهام) لما تحقّقت له الدلالة على كونِها مقوَّمة؛ ومن ثَمّ احْتِيجَ في التعبير عن المعنى المراد إلى المفعول به الثاني. وهو ما مكّن النظام النحويّ من توافقِه مع النسج الشعريّ، فاستقام وزن الكامل، ولو لم يكن كذلك لما استقامت التفعيلة الثانية من الشطر الأوّل، والتفعيلة الأولى من الشطر الثاني، فصحّت القافية برويِّها المراد أيضًا.ونلاحظ ترابُط المفعولينِ المسهمينِ في استطالة البناء النحويّ مع الفعل من خلال هذا التقييد حيث الجانب اللفظيُّ المتمثِّل في العلامة الإعرابيّة، والجانب المعنويُّ المتمثِّل في صلاحيّة كلٍّ منهما للمفعوليّة.9 وإنّ طول التقييد يكون ”في الأفعال والأسماء التي تتضمّن الحدث الفعليّ، فتحتاج إلى ما يحتاج إليه الفعل. ولكنّ عناصر التقييد مع الفعل تمثِّل عناصر جديدةً في بناء الجملة، وهي مع الأسماء عناصرُ متمِّمةٌ للاسم المشتقّ، بحيث تكوِّن معه مركّبًا اسميًّا.“10إنَّ تجلّي هذا الأمل المتعالق مع البناء النحويّ – على نحو ما سبق – جديرٌ بأن نستحضر معه قول محمّد حماسة عبد اللطيف:لقد تصدّى إبراهيم طوقان لقضيّتين استغرقتا جلَّ شعره إن لم يكن كلّه: القضيّة الأولى هي قضيّة فلسطين التي اعتبرها إبراهيم – وهو مُحقّ – حجر الزاوية في كلّ ما كَتَب، لا أقول في شعره فقط، ولكن أيضًا في نثره ونقده وأحاديثه الإذاعيّة وفي قصائده القوميّة وبعض أشعاره الغزليّة […] أمّا القضيّة الثانية، فهي شخصيّة وإنسانيّة – إن جاز التعبير – تمثّلت في انصرافه في الشطر الآخر من شِعره إلى المرأة والغزل والحبّ، حيث عرَفَ الكثيرات، وقال فيهنّ غزلًا ينفذ إلى القلوب المتعبة، وعَبَّ من هذا الحوض كثيرًا، فقد كان يستشعر قِصَر العمر، ولا غرو فمرضُه المزمن كان يؤكّد ذلك، ويدفع به بشدّةٍ نحو التشبُّث بالحياة واقتناص كلّ لحظةٍ منها، حيث كان السباق محمومًا بين المرض والعمر والشِّعر والوطن والحبّ.11يحتاج هذا في تجلِّيه إلى بنية نحويّة مناسبة للتعبير عنه؛ ومن ثَمّ كان ما كان في إطار المعنى النصّيّ.1.1.2ثانيًا: الأفعال التي تنصب مفعولينِ ليس أصلهما المبتدأ والخبرتتجلّى ثيمة الأمل في الأفعال التي تنصب مفعولينِ ليس أصلهما المبتدأ والخبر من جهة إسهامها في إطالة بناء الجملة، وتكمن المهارة في جَدْل هذين المفعولينِ مع النسج الشعريّ، وهو ما يتوافق مع استلزام التعبير عن الأمل مساحةً مكانيّة، ومن ذلك ما جاء في قصيدة ”عند شبّاكي“ وفيها قوله:12يتحدّث الشاعر فيما مضى من القصيدةِ عن شبّاكه المُجسِّد أملَ لقاء محبوبته، يقول عبد اللطيف عن الشاعر:فُتِنَ بالفتاة ’ماريا صفوري‘ […] كان ينتظر ساعاتٍ وساعاتٍ على فتحة شبّاك غرفته التي تطلّ على مدخل الجامعة، فتمرّ فتاته في الصباح، وهي تحمل كتبها، فيخفق قلبه، وتزوغ عينه، يراقب حركاتها وخطواتها […] ويلاحظ زملاؤه حركاتِه، وما يكابده الفتى في انتظار المحبوبة، ولهفته لرؤيتها، ويلاحظون دهشته إذا ما تأخّرت، فيشرعون في ممازحته بالتعليق، لكنّ الشاعر لا ينتظر طويلًا، فيخرج عن حالة صمته؛ ليتقدّم يومًا نحو الفتاة مُحيّيًا ومحدّثًا، ويبدأ بالخروج من معاناته، فيفصّل قصيدةً تليق بالمقام، يعبِّر فيها عن مشاعره وذوقه؛ ليعلن فيها حبّه بقصيدةٍ عنوانها ’عند شبّاكي.’13يودّع الشاعر في هذه الأبيات محبوبته، فهو ”لم يستطع أن يرفّ جفنه خشية ضياع اللحظة التي يترقّب فيها طلعة الفتاة القادمة من الباب الرئيسيّ للجامعة منذ الصباح الباكر، ويبقى هكذا حتّى تختفي عن ناظريه، فيصوّر اللحظات التي حفرت في قلبه سعادةً ثمّ تركته معذّبًا.“14 إنّه يودّعها داعيًا الله لها بالرعاية آملًا أن تنقضي هذه السويعةُ وهو متطلِّعٌ إلى لقياها، كأنّ جمرًا تحته ناسيًا ليلةً سلفت، صاحبَها السهر والبكاء، وسوء المضجع داعيًا الله لها بالرعاية شاكرًا الله أنّ الوطن يجمعهما.وفي هذا الوطن المعبَّر عنه بالدار، يتخيّل الشاعر أنّها تُلقي عليه سؤالًا ما في أمرٍ ليس لها تحكّمٌ فيه، وهو يجيب. ولمّا كان السياق كلّه يغلّفه تجلّي الأمل في وطنٍ يجمعهما يستلهم الشاعر ابتسامة الشكر من عينيها، فقد احتاج إلى فعلٍ ذي معمولات متعدّدة، تُسهم في إطالة بناء الجملة؛ ومن ثَمّ كانت الجملة الفعليّة الخبريّة المثبَتة (تَمْنَحُنِي ابتِسامَ الشكرِ عيناكِ) التي تَقدّم فيها المفعولان عن الفاعل نظرًا لأهمّيّتهما للشاعر في هذا السياق، فكان المفعول الأوّل ضميرًا متّصلًا بفعله وجوبًا،15 والثاني اسمًا ظاهرًا، وتأخّر الفاعل إلى مكان القافية.والملاحظ أنّ إطالة البناء بتعدُّد مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر قد أسهمت – إلى جانب التعبير عن المعنى المراد – في استقامة وزن الوافر وتصحيح القافية برويّها المراد، لا سيّما أنّ الفاعل قد تأخّر مسهِمًا في استقرار كلمة القافية في مكانها، في إشارة من الشاعر إلى أنّ ”القافية مركز ثِقَلٍ مهمٍّ في البيت، فهي حوافرُ الشعر ومواقفه، إن صحّت استقام الوزن، وحَسُنَتْ مواقفه ونهاياته.“16 فالقافية مِثْلُ الوزن – في أنّ الوزن جزءٌ من المعنى – ليست عنصرًا خارجيًّا يضاف إلى الشعر، بل هي جزءٌ من سياق المعنى، لا تظهر وظيفتها الحقيقيّة إلّا إذا وُضعت في علاقة مع المعنى، وهي القاعدة التي يُبنى عليها البيت، وربّما وجّهت مسارَه.171.2المطلب الثاني: الخبر المتعدّدتأتي أهمّيّة تجلّي ثيمة الأمل من خلال الخبر المتعدّد، من جهة أنّ الخبر حكمٌ على المبتدأ في المعنى، ولمَّا كان كذلك جاز أنْ يُخبَر عن المبتدأ الواحد بأكثر من خبر، فاللغة لا تمنع أن نحكم على شيء واحد بعدّة أحكام. والخبر قد يتعدّد مفردًا أو جملة أو شبه جملة.1.2.1النمط الأوّل: الخبر المتعدّد المفردقد يتجلّى التعبير عن ثيمة الأمل من خلال تعدُّد الخبر المفرد في سياق الحديث عن الأمل بكافّة أضرُبه، على الرغم من اختلاف النحويّين في هذا التعدُّد.18 وقد جاء ذلك لدى شاعرنا متّخذًا صورتين، أولاهما الخبران المفردان، والثانية أكثر من خبر مفرد، فمثال الخبرين المفردين ما جاء في قصيدة ”شوقٌ وعتاب،“ وفيها قوله:19يوجّه الشاعر في هذه الأبيات سؤالًا إلى حبيبه عن كيفيّة غوايته وإمعانه في الصدّ، لقد أعطى الحبيب قليلًا وقلّ خيره؛ وهو ما جعل قلب الشاعر راغبًا في جهل الحبّ الذي تحوّل إلى سقمٍ ووجد، فدبّت النار في قلبه ممّا جعل أضلعه تشكو نارًا. وذلك هو الهوى، نارُه ليست سلامًا أو بردًا.ولمّا كان الأمل يلوح أمامه في كلّ وقت للخلاص من حيرته، فإنّه يشير إلى طلوع الفجر باسمًا؛ ومن ثَمّ يدعو إلى تأمُّله، فلم تصمد نجوم الدجى أمامه، بل تبدأ في الترنّح متأرّقة. وهنا ترد الجملة الاسميّة الخبريّة المثبتة (هي مِثْلِي حَيْرَى)، وهو ما يُظهر أنّ ثَمّة إخبارًا بخبرين متعدّدين في اللفظ والمعنى؛ للدلالة على أنّ النجوم – في سياق شوقه وأمله – مثل الشاعر في الشكوى، وهي حيرى أيضًا كحيرة الشاعر وقريبًا ستتوارى وتهدأ؛ ومن ثَمّ يحمِّل المخاطَبَ رسالة شوقٍ وعتابٍ إلى محبوبته.وبناءً على هذا، كان تعدُّد الخبر المفرد بمثابة تعدُّد الأحكام على هذا المبتدأ (هي)، من جهة أنَّ الخبر حكمٌ على المبتدأ، وهو ما يتناسب مع كيفيّة تجلّي ثيمة الأمل من خلال المعنى الذي تحمله ألفاظ الخبر المتعدّد. ومن ثَمّ جاء المبتدأ معرفةً لتحقيق الفائدة التي أُريدَ الإخبار عنها من وراء هذا التعريف، فكان ”ما يقصد إليه القائلُ من حَمْلٍ لمخاطَبه على معرفة معلومةٍ معيّنة“ مقصدًا تواصليًّا،20 تلك المعلومة التي أسهم فيها مجيء الخبر نكرةً مضافةً إلى معرفة ثمّ نكرة، مفيدًا المخاطب معرفةً جديدة لم تكن عنده.21 وبذلك فإنّ ثيمة الأمل، بالنظر إلى البنية النصّيّة والاستطالة النحويّة، قد تجلّت في تعدُّد المبنى الذي يقابله تعدُّد المعنى، فالنجوم مثله وهي حَيْرى، وهذه الحيرة تنمّ عن عدم استقرار، يُتطلّع إلى أملٍ ما في نهايته. كما تجلّت في تعدُّد النعت المفرد، بناءً على ما يحرّك الشاعر تجاه منجَزه، فالقصديّة هي ”ما يكون محرِّكًا للمنتِج من معتقدات وظنون وأوهام لإنجاز كلامه، سواءٌ أكانت مشعورًا بها أم غير مشعور،“22 فضلًا عن إسهام تعدُّد النعت في استقامة وزن الخفيف، في إطار الوصول إلى صحّة القافية.1.2.2النمط الثاني: الخبر المتعدّد شبه الجملةمثال ذلك ما جاء في قصيدة ”آل عبد الهادي“ بمناسبة افتتاح ناديهم في نابلس، يقول طوقان:23يأمل الشاعر أن يبقى فضل مَن قدّم نفسه أوّل ضحيةٍ في مواجهة الظّلم؛ ولذلك يسأل ”دعاةَ السوء“ مستنكرًا فعلَهم عدم ذِكْر فضل مثل هؤلاء الفدائيّين – وكأنّي به يُعرِّض بنفسه يوم أطلق الرصاص على النائب العامّ الإنجليزيّ عام 1930 ولم يقتله آنذاك، يذكر ذلك في قصيدة ”الفدائيّ.“24 ثمّ يذكِّر بالشهيد ”صالح“ الذي كان في عظمته وكِبْره وفخره بمثابة البركان الذي يقذف بكلّ هذا في وجه الظُّلم. ولكي يبثَّ الأمل في قلوب المخاطَبين، لجأ إلى الجملة الاسميّة الحاليّة (والموتُ في يَدِه وراءَ زنادِ) المنسلكة في الجملة الفعليّة الخبريّة المثبتة (ومضتْ به صُعُدًا إلى كُرْسِيِّهِ). يتّضح من خلال ذلك تعدُّد الخبر شبه الجملة بالجارّ والمجرور والظرف؛ فيفيد التحديد المكانيّ، وأنَّ هذا الشهيد في منزلة عظيمة، فقد انتهت ثورته بأنْ صعدت روحه إلى مستقرّها، ذلك الشهيد الذي لا يهاب الموت، بل الموت في يده مفاخرًا به وراء زناده.ولا يخفى على القارئ أنّ تعدُّد الخبر قد أسهم أيضًا في توافق النظام النحويّ مع النسج الشعريّ، فاستقام وزن الكامل وصحّت القافية برويّها المُراد أيضًا.1.2.3النمط الثالث: الخبر المتعدّد المتنوّعتجلَّت ثيمة الأمل في تعدُّد الخبر متنوّعًا بين المفرد والجملة وشِبه الجملة لدى إبراهيم طوقان، فاتّخذ ثلاث صور، هي: تجلّي الأمل من خلال: (1) الخبر المفرد والخبر الجملة الفعليّة؛ (2) والخبر المفرد والخبر شِبه الجملة؛ (3) والخبر المفرد والخبر الجملة الاسميّة، وهو ما يمكن التمثيل له بما جاء في قصيدة ”ذكرى دمشق“ بمناسبة استشهاد أحمد مريود، حيث قوله:25يخاطب الشاعر في هذه الأبيات الأرض التي لقَّبها بعروس الدنيا، كما فعل سابقًا في قوله:ويشير في الأبيات السابقة إلى أنّ حال قلبِه لا يخفى على مَن أمعن فكرَه، فقد فجعته أحزانه في أمانيه وأمله؛ ومن ثَمّ اتّضح أنّ له آمالًا أخرى عبّر عنها في آخر بيت بالحال الثاني. ومن أجل بيان ما بين هذا وذاك، سرد ما حدث له، وذلك يتطلّب تمدُّدًا في البناء النحويّ؛ فكانت الجملة الاسميّة الخبريّة المثبتة (الخُطُوب اللائي نَزَلْنَ جِسامٌ قد أَحَلْنَ الهَنا إلى أحْزانِ). نعتَ الشاعر الخطوبَ بكونها حلّت به ثُمّ أخبر عنها بأنّها جِسامٌ، ومن أجل التصريح بحُكمٍ آخر كان الإخبارُ بالجملة الفعليّة (قد أَحَلْنَ الهَنا إلى أحْزانِ)، وهو ما يتناسب مع مراده الأملَ المتمثِّل في الحال الثاني الذي يتطلّع إليه. فأفاد بهذه الجملة ذات الخبر المتعدّد بين المفرد والجملة الفعليّة أنّ الخطوبَ التي نزلت خطوبٌ جسامٌ، قد صيّرت الحياة الهانئة إلى أحزان.والملاحظ أنّ هذا التعدُّدَ قد أسهم أيضًا في استقامة وزن الخفيف وصحّة القافية برويّ النون المكسورة من خلال المفردة المعجميّة (أحزان) التي أراد التركيز عليها بوضعِها في مكان القافية/محلّ الاهتمام. فالدلالة على ما تقدّم من معنى، أسهمت في تكوينه كلمات القافية المنقادة في سلاسة ورقّة، وهو ما يؤكّده قولُ فرّوخ: ”كان شاعرنا يحسن تخيُّر الألفاظ، إذ كان يضمّ إلى ثروته اللغويّة ذوقًا أدبيًّا مصقولًا. وثروته اللغويّة جاءته من إدمان قراءة عيون الأدب، كما تعاونت هذه القراءة مع الهبات الطبيعيّة على صقْل ذوقه؛ ولذلك كانت الألفاظُ تنقاد له في سلاسة ورقّة.“261.3المطلب الثالث: النعت المتعدّدظهرت ثيمة الأمل من خلال النعت المتعدّد لدى إبراهيم طوقان، ذلك التعدُّد عبّر عنه سيبويه بمصطلح الإطالة،27 وقد جاء متّخِذًا صورًا مختلفةً، كأن يكون مفردًا متعدِّدًا أو جملةً متعدِّدة، أو مفردًا وجملة، وغير ذلك من صورِ التعدُّد المرتبطة بالمعنى النصّيّ. ويمكن إلقاء الضوء على بعضها فيما يأتي:1.3.1النمط الأوّل: النعت المتعدّد الجملةتكرّر تعدُّد النعت بالجملة في شعر طوقان، وكان جملةً فعليّةً متعدِّدةً وكذلك اسميّة، وقد يرد شبه الجملة مع إحدى الجملتين أو يرد المفرد مع إحدى الجملتين. واتّخذ ذلك عند الشاعر صورتين، هما: التعبير عن الأمل من خلال كَوْنِ النعت الأوّل كما الثاني جملة فعليّة، أو من خلال كَوْنِ النعت الأوّل جملة اسميّة منسوخة والثاني جملة فعليّة، ويمثّله ما جاء في قصيدة ”حطِّين“ وفيها قول الشاعر:28يخاطب الشاعرُ أميرَ الشعراء أحمد شوقي، لأنّ الأخير لمّا لم يستطع زيارة فلسطين، أرسل سلامَه إلى أهلها في شدّة الحرب باعثًا الأمل فيهم، من جهة شعورهم بمؤازرة الآخرين، فهم ليسوا وحدَهم، بل معهم جموع الشعبين العربيّ والإسلاميّ. يتجلّى ذلك الأملُ في البنية النصّيّة والاستطالة النحويّة من خلال التعبير بالجملة الفعليّة الخبريّة المثبتة (وذَرَفْتَ ”دمعًا لا يُكَفْكَفُ“ هيَّجَتْهُ الغُوطتانِ). يتّصف هذا الدمع بالسيلان والتجدّد، فهو لا يجفّ ولا ينتهي، وقد فجّرته أحداث ”الغوطتين.“ تتراءى بذلك أمام أهل فلسطين جنّتان، فرثاء شوقي بمثابة عينينِ تجريان دمعًا. فضلًا عن هذا، أسهمَ التعدُّد في استقامة وزن مجزوء الكامل، في إطار صحّة القافية برويّها المراد، واستقرّ فاعل جملة النعت الثانية في مكان القافية مقدِّمًا لها حرف النون المكسور رويًّا.1.3.2النمط الثاني: النعت المتعدّد المتنوّع بين الجملة والمفرداتّخذ النمط الثاني صورتين، هما: تجلّي الأمل من خلال كَوْنِ النعت الأوّل مفردًا والثاني جملة فعليّة، وتجلّيه من خلال كَوْنِ النعت الأوّل مفردًا والثاني شبه جملة أو العكس، وهو ما يمكن التمثيل له بالصورة الأولى في قصيدة ”يا سَرَاةَ البلادِ،“ وفيها يقول طوقان:29يذكِّر الشاعر في هذه القصيدة ”سراة البلاد“ بالانتداب الذي حلَّ بهم، وكان أحدَّ من الموت فأذاب القلوب والأكباد، ويذكّرهم بوعد بَلفور الذي حوّل بلادهم إلى أنقاض، ولم يهتمّوا بالأمر قدر جلَله. يقول الطريفيّ:[قامت بريطانيا] بدور كبير لإثارة سياسات تافهة، كإغراء الشباب على رئاسة البلديّات وعضويّة المجلس الإسلاميّ الأعلى واستفحال الخصومات المحلّيّة والنزاعات الحزبيّة. فهبّ الشعراء والأدباء يقاومون هذه السياسات، وعلى رأسهم إبراهيم طوقان الذي نهض بلسانه وقلمه يفضح مخطّطات المستعمِر، ويكشفها بقصائده اللاهبة بجرأة وشجاعة دون خوف أو وجل، وينبّه سراة البلاد حول المستعمر ووعْد بلفور الذي دكَّ العقول والقلوب، كما نبّههم إلى عدم التسابق في طلب المناصب وطلب منهم التمسُّك بأهداب الدين؛ لأنّ الوطن يتعرّض للخطر الحالك والظلام الدامس.30ثمّ يدعو الشاعر في البيت السادس أن يُحبط الله سعي المتعاونين مع الانتداب، فقد جهّزوا العتاد حبًّا لذاتهم، وتركوا الوطن طمعًا في المنصب؛ ومن ثَمّ تركوا الدينَ غير متطلّعين إلى إصابة وجهِ الأمور، ولذلك طلب منهم أن يُولُوا الوطنَ جهدَهم، فهو يستحقّ أن ينشغلوا به عمّا سِواه.ترد الجملة الاسميّة الخبريّة المجرَّدة (وَطَنٌ بائسٌ يُبَاعُ وأنتم لا تزالون تخدعُونَ العِبادَا)، ويظهر من خلالها أنّ تجلّي الأمل فيما تقدّم يقتضي بنيةً ممتدّة؛ لتشجيع المخاطَبين على ما يريده الشاعرُ من معنًى، فما كان منه إلّا أنْ نعتَ الخبر (وطنٌ) بالنعت المفرد في صورة المشتقّ للدّلالة على مَن قام بالفعل أو ما وقع منه الفعل على وجه الحدوث لا الثبوت.31 فالوطن بائس على سبيل الحقيقة الآن، وبؤسه مجازٌ في الماضي، ولكي يُمعن في البؤس كان لا بدّ من نعته بجملة ”يُباع“ الدالّة على تجدُّد البيع وقتًا بعد وقت من أناسٍ تزدريهم العين والعقول؛ ومن ثَمّ كان بناء الفعل لغير الفاعل، وكلُّ ذلك وسراة البلاد ما زالوا يخدعون الناس بوجاهتهم مع فِعلهم الذي تُنكره الوطنيّة.وما كان للشاعر أن ينصَّ على ذلك إلّا عن طريق نعْتِ الخبر بالنعت المفرد الذي تعدَّد جملةً فعليّة، فعلها مبنيٌّ لِمَا لم يُسَمّ فاعله، هذا فضلًا عن إسهامه في استقامة وزن الخفيف وصحّة القافية محقِّقةً رويَّ الدال المفتوحة. وقد نُظِمَت هذه القصيدة عام 1925م، ويقول القطاوي عن سياقها التاريخيّ:ويبدو أن سُراةَ البلاد في زمانه كانوا عُمْيَ البصيرة، مُقْفَلِي الأفئدة، فانطلقوا وراء المصلحة الذاتيّة، وركبوا مطيّة الوَجاهات الفارغة، والمظاهر الزائفة، في الوقت الذي تهيِّئ فيه بريطانيا فلسطين وطنًا لليهود؛ تحقيقًا لوَعد بلفور الذي أشار إلى خطورته في هذه القصيدة […] وهو يخاطبهم ساخرًا متهكِّمًا […] يتّضح هذا من قوله: ما الذي تفعلون والجوُّ مُرْبدٌّ؟!! تعجُّبٌ ورد في صورة استفهامٍ ساخر، وهو تعجُّبٌ يومئُ إلى تفاهةِ هؤلاء السراة الغافلين.32ثمّ يُتبع الشاعر بالاستفهام في قوله ”أفرغتم…“ منكِرًا ما يفعلونه؛ من أجل ”دَفْع العقل أو التفكير إلى المقارنة أو المشاكلة أو المقابلة.“331.3.3النمط الثالث: النعت المتعدّد مفردًا وشبه جملة وجملةترد ثيمة الأمل في النعت المتعدّد مفردًا وشبه جملة وجملة، ومثال ذلك ما جاء في قصيدة ”كارثة نابلس“ وفيها قول الشاعر:34يتحدّث الشاعر عن ”كارثة نابلس“ وطغيان الحرب معدِّدًا ما خلّفته القذائف من أهوال في ثوانٍ، من بينها المريض الذي يُحيط به العُوّاد داعين بالسلامة. وفجأة، يُخسَفُ بالبيت حيث المريض ومَن يعودونه والنساء المحصنات والأطفال، وهي لحظةٌ تُفصح عن ذهاب الموت بالآجال. يسيطر على الشاعر شعور الأمل الظاهر والخفيّ، ومنه ما يرد في الجملة الاسميّة الخبريّة المثبتة (ههُنا نِسوةٌ جياعٌ بلا مأوًى، ستَرْنَ الجسُومَ بالأسْماكِ)، فينطوي على اختلاف النعوت وتعدُّدِها في اللفظ والمعنى لمنعوتٍ نكرة؛ ليشير إلى أنّ النساء منبعُ العطاء والأمل والتفاؤل في سبيل خلاص الوطن ممّا هو فيه. ومن ثمّ كان تأخير المبتدأ الذي نُعِتَ بكلّ هذه النعوت، فاستطالت الجملة، في إطار بيان صفات هؤلاء النسوة، وهو ما يعكس مدى المعاناة في سبيل شيءٍ ما، أو الأمل بمعناه الواسع. وكان توافق النظام النحويّ مع النسج الشعريّ أيضًا، فاستقام وزن الخفيف وصحَّت القافية برويّها المراد.وأشيرُ إلى أنّ ترتيب إطالة الجملة في سياق تجلّي الأمل لدى إبراهيم طوقان، على نحو ما سبق، هو ما عليه جمهور النحاة، فلمّا كان أصل النعت بالمفرد كان تقديمه، ولمّا كان شبه الجملة بمثابة المفرد كان تقديمه على الجملة،35 قال الرضيّ: ”وإذا وُصِفَت النكرةُ بمفردٍ أو ظرفٍ أو جملة؛ قُدّم المفرد، وأُخّر أحدُ الباقين في الأغلب، وذلك ليس بواجب، خلافًا لبعضهم.“36 يقول الجندي:ومن الجدير بالذِّكر أنّ تقديم النعت المفرد يتّفق مع رؤية القدماء أنّ الأصل في وظائفَ كالخبر والحال والنعت أن تكون بالأسماء؛ ولذا شغلت الحيِّز الموقعيّ المتقدِّم لذلك، وأيضًا لكونها أخفَّ من غيرها من العناصر الأخرى، كما أنّ تأخير الجملة إنّما كان استجابةً لثقلِها اللفظيّ الناتج عن طول بنائها من خلال كثرة مكوّناتها، فالثقل ناشئٌ عن كثرة تلك المكوّنات، وكلّما خفّت تلك المكوّنات كانت الجملة أكثر خِفّة.37أمَّا عن شِبه الجملة وتوسُّطه بين المفرد والجملة عند القدماء، فإنّه ”لا يخرج عن تصوّرهم العامّ لقاعدة التوجيه المبنيّة على الخفّة والثِّقَل، فعندهم أنّ التركيب المكوّن من الجارّ والمجرور أو من الظَّرف وما أُضيف إليه هو أثقلُ من العنصر الإفراديّ؛ لتعدُّدِ مكوّناته البادية على السطح، وهو في الوقت ذاته أخفّ – عندهم – من الجملة؛ لأنَّه يئول في معناه الباطنيّ إلى المفرد.“38وأختم بالإشارة إلى أنّ لغة الشعر قد لا تلتزم بالترتيب السابق – كما هو الحال في النمط السابق عند طوقان – فقد تقدَّم النعت بشِبه الجملة على النعت بالمفرد طبقًا للمقتضيات السياقيّة المتّصلة بالمعنى النصّيّ، يقول الجنديّ:اللغة تؤثِرُ تقديم العنصر النحويّ الشاغل لوظيفة ’المحور،‘ وهي وظيفةٌ تداوليّة، تعني أنّ شاغلها هو الذي يحمل المعلومة الكثيرة الأهمّيّة، بصرف النظر عن كونه عنصرًا ممتدًّا أو بسيطًا، ممّا يدلّ على أنّ قانون التركيب الممتدّ أو المعقَّد مقوليًّا يعطِّله تمامًا القانون التداوليّ، أو ما تُعورف عليه بمراعاة مقتضيات المقام التي بمقتضاها يتقدّم العنصر المركّب على العنصر الخفيف مخالفًا بذلك ما تقرَّر من أنّ اللغة تؤثِرُ تقديم العنصر النحويّ ذي التركيب الإفراديّ البسيط على العنصر النحويّ ذي التركيب المعقَّد مقوليًّا، أو ما سمّيته بالممتدّ تركيبيًّا.391.4المطلب الرابع: الحال المتعدّدتتعدَّدُ وظيفة الحال كما يتعدّد الخبر والنعت، وهو ما تحدّث عنه كثيرٌ من اللغويّين،40 وفيما يأتي تمثيل لتجلّي الأمل من خلال هذا التعدُّد لدى إبراهيم طوقان:1.4.1النمط الأوّل: الحال المتعدّد المفردمثال هذه الصورة ما جاء في قصيدة ”ذكرى دمشق“ بمناسبة استشهاد أحمد مريود، وفيها يقول الشاعر:41يقول محمّد حسن عبد الله:[هي] جديرةٌ بأن يُعتنى ببنائها الفنّيّ، وهي تبدأ من مشهد لحظة الاستشهاد ومآل الشهيد في الجنان […] ويمضي هذا المقطع الاستهلاليّ يرسم مشهد جنّة الشهيد؛ لينتقل عنه إلى ربوع الفيحاء وطن هذا الشهيد […] أمّا إبراهيم، وهو قويّ الصلة بالتراث الشعريّ العربيّ فإنّه يعرف فضيلة حُسْن التخلُّص، أو ضرورة التمهيد للانتقال من معنًى جزئيٍّ إلى معنًى جزئيٍّ آخر في إطار القصيدة؛ ولهذا يدعو روح الشهيد إلى زيارة فلسطين؛ ومن هنا يقدِّم إليها ضراعاته، ويفشي سرَّ وجيعته ومخاوفه على موطنه.42يرى الشاعر في الأبيات السابقة أنّ الشهيد هادئ القلب، قد أُطبقت أجفانه، روحه مطلقةٌ رغم رقود جثمانه، وقد ركن عند رأسه مَلَكٌ مبتسمٌ يُرفرف فوقه بجناحيه فرحًا بما يلقاه الشهيد، ففي الجنان نساءٌ ناعماتٌ ليِّنات، يملأن الكؤوس للشهداء، وهناك فتياتٌ حِسانُ الخلْقِ شابّات، يضمّدن جراح الشهيد برحيق الجنان، وحوله أسرابٌ من الحُور يطُفْن بغصون النخيل والريحان، وكذلك الطيور فوق شجر الخُلد بأغانيها العذبة، كبيرها وصغيرها.يبعث هذا الوصف الأملَ لدى المدافعين عن الوطن، وهنا ترد الجملة الفعليّة الخبريّة المثبتة (وأفاقَ الشهيدُ مُنْشَرِحَ الصَّدْرِ شكورًا لأنْعُمِ الرحمانِ) لتتوِّج قيمة الاستشهاد حيث استيقاظ الشهيد من رُقاده. إنّ حالته ليست كحالة أيّ إنسان؛ ومن ثَمّ كانت الحاجة إلى تعدُّد الحال المفرد (مُنْشَرِحَ الصَّدْرِ، شكورًا) لإفادة انشراحِ صدره وشكرِه نعمة المولى – عزّ وجلّ – عليه، هذا فضلًا عن إسهام التعدُّد في استقامة وزن الخفيف وصحّة القافية.1.4.2النمط الثاني: الحال المتعدّد غير المفردوردت ثيمة الأمل في الحال المتعدّد غير المفرد متنوّعًا بين المفرد والجملة وبين شبه الجملة والجملة الفعليّة، وقد تضمّن كلُّ نمطٍ أكثر من صورة، كما هو الحال في تجلّي الأمل من خلال الحال المتعدّد المتنوّع بين المفرد والجملة (كَوْن الحال الأوّل مفردًا متعدّدًا والثاني جملة فعليّة، أو كَوْن الحالِ الأوّل مفردًا غير متعدّد والثاني جملة فعليّة).43 ومثال الحال المتعدّد غير المفرد المتنوّع بين شبه الجملة والجملة الفعليّة ما جاء في قصيدة ”حيرة،“ وفيها يقول الشاعر:44عنون الشاعر هذه الأبيات بكلمة ”حيرة،“ لكنَّها حيرةٌ تتطلّع إلى أمل لقاء محبوبته النائمة والتي يدفعه الشوق إلى إيقاظها، لكنّ يدَه تحذَرُ الامتداد إليها، فهو لا يرغب أنْ يُذهب الأحلام من عينيها، فيُتَّهم بالقسوة لا سيّما أنّ الرقاد قد سكن جفنيها، فقد رأى منظر تقلُّبها على جنبيها. إنّها تضمّ بين ضلوعها ما تضمّه؛ ومن ثَمّ تتنهّد، لكنَّ شوقه لم يدفعه إلى الاهتمام بنهدَيها، فيكفيه ما لديه من هوًى باطنٍ أنّه نظر إلى شَعْرها الذي يرتشف ندى خَدَّيْها مُنْكبًّا، ذلك الشَّعر الذي يغار منه الشاعر لا سيّما إذا استقرّ على ذراعيها. يقول محمّد حسن عبد الله:سيتحرّك المشهد البصريُّ القريب في قصيدة ’حيرة‘ مراعيًا المسافة من البعيد إلى القريب؛ ومن ثَمّ من المجمل إلى المفصّل الذي يملأ ’الكادر،‘ ومراعيًا إعمال الحواسّ الأخرى – بصفة خاصّة: السمع […] ولكنّ التجربة هنا ستكتسبُ صلابة السبْك والتوحُّد السياقيّ حين لا يُفْرِد الشاعر لمشاعر (المتكلّم) مقطعًا كاشفًا عن خفايا مشاعره، ومحايدًا تجاه المشهد المرسوم […] تبدأ القصيدة التي تتحرّك في مشهدين – بتأكيد المنحى السرديّ ’ما كنت أرغب‘ فهي تحكي عن حادثة مضت، بما يوحي بصدق الحكاية؛ لأنَّ راويها هو بطلُها، ويدخل في تقوية صِدْق الرواية أنّه لا يبادر بإعلان كونها نائمة، مُكتفيًا بذِكر اللازم ’أُنَفِّرُ الأحلامَ من عَيْنَيْها،‘ وبعد أنْ يطمئنّ إلى سلامة الوصف واستساغته يعمِّق الشعور بنقطة القوّة فيه، فإنّها في حالة ’الرقاد‘ ولكي تستردّ وعيها بما يجري فلا بدّ من ’إيقاظها،‘ ثمّ يُضاف عنصر الصوت، صوت فتاةٍ نائمة ’تنهّدت،‘ ويتولّى التعليل بما يلوّن المشهد كيفما تراه عيناه ’ممَّا تكنُّ ضلوعها.‘ وإنّ أقوى ما تلحظ التنهيدة في حركة الصدر: ’نهديها،‘ ثمّ تتراجع الكاميرا لتتّسع مساحة المشهد، فلا يظلّ غارقًا في إثارته الحسّيّة، فها هنا حسّيّة أيضًا، ولكنَّها في إطارٍ من الحنان والتعاطف، وليس الافتراس، وكم كان الوصف دقيقًا حين قدَّم لهذه اللقطة التي تصوّر خصلات شعرها لاصقةً بخدّيها (محوِّلًا العرق إلى ندى) بأنّها ’جوى‘ والجوى شدّة الوجد من العشق أو الحزن، وليس لنا أن نتوقّع أنّ إبراهيم كان حزينًا!45تُظهر الجملة الفعليّة الخبريّة المثبتة (أرنو بلَهْفَةِ عاشِقٍ لم يبقَ من صَبْرٍ لدَيَّ، وقد حنوتُ عليها) حالةَ الشاعر المتلبِّسة بالأمل، ولا تستطيع حالٌ نحويّة أن تبيِّن هيئتها وحدها؛ ومن ثمّ كانت إطالة التركيب بالحال المفرد المفيد مدَّ بَصره، تصاحبُه لهفةُ العاشق. وليس ذلك فحسب، بل تأتي الحال الجملة الفعليّة؛ وذلك أنّ ”الحال قيدٌ لعاملها، ويصحّ أن يكون القيدُ مضمون الجملة، كما يكون مضمون المفرد،“46 وتفيد أنّه من شدّة الشوق والأمل لم يبقَ لديه صبرٌ ما. وهو ما عبّرت عنه أيضًا الحال الثالثة ذات الجملة الفعليّة المبدوءة بالفعل المضارع، تلك الجملة التي تفيد تحوُّل حاله، فاقترب منعطِفًا عليها لكنّ أدبه صدّه فأبعده. وقد اشتملت هذه الجملة الحاليّة المتكرّرة على رابطٍ يربطها بصاحب الحال في الفعل ”أرنو“ مُحيلًا إحالةً داخليّةً قبليّة رابطًا بين المفهومين، أعني مفهوم جملة الحال في الجملتين ومفهوم صاحب الحال؛ ومن ثَمّ حَسُن السبكُ في ظاهر النصّ وعالمه، ذلك الذي لم يكن للشاعر أنْ يجلّيَه لو لم يتعدّد الحال في سياق أملِه. هذا فضلًا عن إسهام هذا التعدُّد في استقامة وزن الكامل وصحّة القافية برويّها المُراد.2المبحث الثاني: تعالُقُ الأمل بالبنية النصّيّة من خلال طول التعاقبالتعاقب في الاصطلاح هو ”إحلال الجملة أو شِبه الجملة محلَّ المفرد، وصلاحيّتها في بعض المواقع أن تقوم بما يقوم به، وتعاقبه حيث وقع،“47 وهو ما ينحصر في الجمل ذات المحلّ الإعرابيّ، وقد أتاحه النظام اللغويّ.48 والأصل في الجملة ألّا تتعاقب على المفرد، وهو ما جعل ابن هشام (ت 761/1360) يقدِّم الجمل التي لا محلّ لها من الإعراب على التي لها محلّ من الإعراب،49 ذلك التعاقب الذي يُعَدّ وسيلة من وسائل إطالة بناء الجملة، وهو مناسب لسياقات الحديث عن الأمل تصريحًا أو تلميحًا.2.1المطلب الأوّل: جملة الخبر المعاقبة المفردتجلّى الأمل في جملة الخبر المعاقبة المفرد متّخِذًا نمطين رئيسين، هما: كَوْن خبر المبتدأ جملةً اسميّة، في سياق الاسميّة المجرّدة أو المنسوخة، أو كَوْن خبر المبتدأ جملةً فعليّة، في سياق الاسميّة المجرّدة أو المنسوخة.ينعكس تجلّي الأمل من خلال جملة الخبر المعاقبة المفرد على المعنى، فعندما يكون الخبر جملةً فعليّة، فإنّ الفعل مع فاعله ”الجملة“ يقوم بدورٍ لا يستطيع الاسم القيام به، فالاسم يقتضي الثبوت، والفعل يقتضي التجدُّد والحدوث، يقول عبد القاهر الجرجانيّ:فمن البَيّن في ذلك قول الأعشى:50معلومٌ أنّه لو قيل: إلى ضوء نار متحرِّقةٍ لَنَبَا عنه الطَّبع، وأنكرته النفس ثمّ لا يكون ذاك النبوّ وذاك الإنكار من أجل القافية، وأنّها تفسد به، بل من جهة أنّه لا يشبه الغرض ولا يليق بالحال، وكذلك قوله:وذاك لأنّ المعنى في بيت الأعشى على أنّ هناك موقدًا يتجدّد منه الإلهاب والإشعال حالًا فحالًا، وإذا قيل متحرِّقة كان المعنى أنّ هناك نارًا قد ثبتت لها، وفيها هذه الصفة، وجرى مجرى أن يُقال: إلى ضوء نارٍ عظيمة، في أنّه لا يفيد فعلًا يُفعَل.51يتّضح من ذلك أنّ جملة الخبر مبنيّةٌ على المبتدأ.52ومثال تجلّي الأمل حالة كَوْنِ الخبر جملةً اسميّةً معاقبةً المفرد، في إطار الجملة الاسميّة المجرَّدة، ما جاء في قصيدة ”يا موطني،“ وفيها قول الشاعر:53يتحدّث الشاعر عن موطنه الذي خطر في باله ذات مساء بجماله المتوشِّح به بين الربى، ذلك الجمال الذي يجلب النوم من شدّة الراحة، فراح يتلمّس هذا الزهر المستكين؛ ومن ثَمّ أُغمضَت عينُه، كما هو شأن المحِبّ المقِرّ. لقد دعا هذا الموطنُ الطيورَ إلى المبيت، فلبّت النداء مرفرفةً فوق أعشاشها مستمرّة في ألحانها، وقد تسلّلت نسمات الزهر إلى الغصون التي ترنّحت.إنّها أيّام الربيع في موطن الشاعر يأمُل أن يبلُغَها، في إطار الأمل الكبير/الوطن؛ ومن ثَمّ كان في الجملة الاسميّة الخبريّة المثبتة (آمالُ أيَّامِ الربيعِ جميعُها حَسَنٌ) – وهي جملةٌ مركَّبة54 – ما يفيد كَوْنَ الآمال في أيّام الربيع مستمرّةً في حُسْنِها، وهو ما لا يفي به الخبر لو جاء مفردًا، فضلًا عن مناسبة هذا التمدّد لتمدُّد آمال أيّام الربيع التي أشار إليها.55وقد لوحظ أنّ ثمّة جملةً أخرى تداخلت مع هذه الجملة، فعُطفت عليها الجملة الاسميّة الخبريّة المثبتة ”(وعِيبالُ) اكتسى بالأَحْسَنِ“ المتّخذة نمط ”المبتدأ + الخبر الجملة الفعليّة“؛ لإفادة أنّ المكان المسمّى بـ ”عِيبال“ قد اكتسى بالأحسن، على وزن (أفعل) وذلك اكتساءٌ متجدِّد، وهو ما لا يفي به الخبر لو جاء مفردًا، والتجدُّد يتناسب مع الأمل. وعلاوةً على وفاء هذه الاستطالة في الجملة بحاجة المعنى النصّيّ، فإنّ ثمّة جزءًا من المعنى النصّيّ في الشعر قد تآزر معه النظام النحويّ في سياق الأمل لدى إبراهيم طوقان، وهو النسج الشعريّ، فاستقام وزن الكامل وصحَّت القافية بكونِ النون المكسورة رويًّا.2.2المطلب الثاني: جملة الحال المعاقبة المفردقد يكون تجلّي ثيمة الأمل في جملة الحال المعاقبة المفرد، وهنا أُشيرُ إلى أنّ جملة الحال التي تعقب المفرد تحلّ محلَّه، نحو قوله تعالى: ﴿وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ﴾،56 وذلك جائز؛ لأنّ ”مضمون الحال قيدٌ لعاملها، ويصحّ أن يكون القيدُ مضمونَ الجملة كما يكون مضمونَ المفرد.“57 يقول ابن يعيش (ت 643/1245):فإذا قلت ’جاء زيد وثوبه نظيف،‘ في موضع ’جاء زيد نظيفًا ثوبه،‘ فكما أنّ ’نظيفًا‘ نُصِب بما قبله من الفعل فكذلك الجملة الواقعة موقعَه في موضع منصوب، والعامل فيها ذلك الفعل. وقد يقع الفعل موقع الحال إذا كان في معناه وكان المراد به الحال المصاحبة للفعل، نقول: ”جاء زيد يضحك،“ أي ضاحكًا و”ضربت زيدًا يركب،“ أي راكبًا، قال الله تعالى: ﴿فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾،58 وقال الشاعر:والمراد عاشيًا.59وفيما يأتي تمثيل لأنماط ذلك.2.2.1أوّلًا: كَوْن جملة الحال في سياق الجملة الاسميّةقد يرد التعبير عن الأمل في معاقبة الحالِ المفردَ في سياق الجملة الاسميّة المجرّدة أو المنسوخة، ومثاله ما ورد في قصيدة ”البلد الكئيب“ بمناسبة إضراب فلسطين يوم وعد بلفور، يقول طوقان:60يوجّه الشاعر حديثَه إلى ”بلفور“ مُخبرًا بأنّ كأسه من دَمِ الشهداء تُذيق الطرف الآخر ما لم يذقه، ويُخبر بأنّ فلسطين قد راقت وبان حبَبُها، وهنا ترد الجملة الاسميّة المجرَّدة (فحبابُها الأرواحُ قد وثبتْ إليكَ كما وثَبْ) لإفادة أنّ أملَ هذه الأرض في أبنائها، فبذْل الأرواح محبَّبٌ إليهم. حالة هذه الأرواح المتجدِّدة أن تثِبَ على غيرها كما وُثب عليها، فالماضي في جملة الحال بمعنى المضارع، ذلك المعنى الذي ما كان إلّا بوجود جملة الحال من دون كَوْنِ الحال مفردًا. فضلًا عن ذلك، أسهمت معاقبة الجملة المفردَ في استقامة وزن مجزوء الكامل وصحّة القافية.وقد اشتملت جملة الحال المعاقبة المفردَ على رابطٍ لفظيّ (الضمير)، وهذا شرط فيها؛ ”لأنّ الجملة كلامٌ مستقلٌّ بنفسه مفيدٌ لمعناه، فإذا وقعت الجملة حالًا فلا بدّ فيها ممّا يعلِّقها ويربطها به؛ لئلّا يُتوهَّم أنّها مستأنفة.“61 ومن ثَمّ كان الربط بين مفهوم جملة الحال بالمعنى المتقدِّم وبين مفهوم صاحب الحال (الأرواح) الذي هو خبر المبتدأ (حُباب)؛ فحَسُن السبك في هذه الجملة المتداخلة، وكان في ظاهر النصّ حيث الاستمراريّة الدلاليّة.2.2.2ثانيًا: جملة الحال في سياق الجملة الفعليّةمثال تجلِّي ثيمة الأمل من خلال كَوْنِ جملة الحال في سياق الجملة الفعليّة ما جاء في قصيدة ”تفاؤل وأمل،“ وفيها قول الشاعر:62يخاطب طوقان مَن طالبه في المقطع السابق على هذه الأبيات بكفكفة الدموع، بأنّه كثيرًا ما ردّد ”أمراض البلاد“ وهو مسهِمٌ فيها، فالشؤم هو المرض. ثمّ يخاطب مَنْ حمل الفأس يهدم البلاد بالقعود، فهذه أفعالٌ لا تنهض بها البلاد، وفيما يتّصل بالفعل (اقْعُدْ) أستعيرُ قول صادق أبو سليمان:كان بإمكانه أن يقول: اجلِسْ وهي أخفّ وطئًا، ولا تخالفُ وزنًا، ولكنّ شاعرنا – كما نرى – اختار الفعل اقْعُد بقافِهِ الانفجاريّة المطبَقة المجهورة، وعَيْنِه الحلقيّة المجهورة، ودالِهِ الانفجاريّة المجهورة أيضًا؛ دلالةً على غيظ يكاد يفجِّر أحشاءَه الهزيلة حين يسمع مَن يمدح ما يكره، ولا ينهض بأدائه اجتماعُ الجيم واللام والسين في نظيره الفعل اجلس ثمّ إنّ (اقعد) فعلٌ يستعمله المجتمع الفلسطينيّ أكثر من استعماله للفعل اجلس. إنّ استعمال فِعل الأمر اقعد بأصواته الخشنة القويّة – في هذا المقام – هو استعمالُ مَن لا يريد لمأموره أن يأتيَ بحركة يُتوقَّع منها النهوض، وذلك بخلاف الفعل اجلس الذي أستشعرُ فيه رقّةً وليونة؛ الأمر الذ يدلِّل عليه وروده في سياقات لا تدلّ على طول المُكث أو الإقامة […] أمّا الفعل قعد وعائلته فنراه يأتي في مقامات تحتاج إلى طولِ لُبثٍ أو مُكْث، إنْ لم يكن الدوام أو الثبات على الحال، حيث من معانيه عدم الحركة غير المأمولِ النهوضُ بعدها.63وبعد جملة (اقعد) الدالّةِ على طولِ لُبثٍ أو مُكْث، إن لم يكن الدوام أو الثبات على الحال، تأتي الجملة الفعليّة الطلبيّة (وانْظُر بِعَيْنَيْكَ الذئابَ تَعُبُّ في أحْواضِها)، فجملة الحال (تَعُبُّ في أحْواضِها) قد عاقبت المفرد لأمرٍ يتّصل بما يأمله الشاعر في هذا السياق، ولا يستطيع الحال المفرد النهوض به. إنّه تعبيرٌ عن حالة متجدّدة في إطار الجملة الفعليّة الكبرى الدالّة على التجدُّد أيضًا، أي أنّ ذلك التعاقب يدلّ على أنّ الذئاب قد كثرت كمن يشرب الماءَ ولا يتنفّس؛ ومن ثَمّ سُبقت جملة الحال بطلب ملاحظة هؤلاء الذئاب الذين يبيعون الوطن للمحتلّ. ثمّ يدعو الشاعر إلى بَذْل الغالي والنفيس أملًا في تضميد جراح الوطن، وهو ما جعل أحد الباحثين يصرّح بأنّ إبراهيم طوقان في هذه القصيدة يُحْدِث تصاعدًا، من جهة مطالبته لأوّل مرّة ببذْل الدم.64وقد ترابطت الجملة الحاليّة التي عاقبت المفرد مع صاحب الحال (الذئاب) من خلال الضمير المستتر في الفعل (تعبُّ) الذي أحال إحالةً داخليّة قبليّة إلى (الذئاب)؛ ومن ثَمّ كان الترابط بين المفهومين، مفهوم جملة الحال المعاقبة المفرد في سياق التفاؤل والأمل ومفهوم صاحب الحال. هذا فضلًا عن إسهام هذا الإحلال في توافق النظام النحويّ مع النسج الشعريّ، فاستقام وزن مجزوء الكامل وصحّت القافية.2.3المطلب الثالث: جملة النعت المعاقبة المفردقد يأتي تجلّي الأمل في جملة النعت المعاقبة المفرد إذا كان المنعوت نكرة، قال ابن يعيش: ”وإنّما لم توصف المعرفة بالجملة لأنّ الجملة نكرة، فلا تقع صفةً للمعرفة؛ لأنّها حديث. ألا ترى أنّها تقع خبرًا، نحو ’زيد أبوه قائم‘ و’محمّد قام أخوه.‘ وإنّما تحدِّث بما لا يعرف، فتفيد السامع ما لم يكن عنده، فإن أردت وصْف المعرفة بجملة أتيت بالذي، وجعلت الجملة في صلته، فقلت: ’مررت بزيد الذي أبوه منطلق،‘ فتوصّلت بالذي إلى وصْف المعرفة،“65 فضلًا عن احتمالها الصدق والكذب.662.3.1أوّلًا: جملة النعت المعاقبة المفرد في سياق الجملة الاسميّةقد يكون تجلّي ثيمة الأمل من خلال جملة النعت المعاقبة المفردَ في سياق الجملة الاسميّة، سواءٌ أكانت مجرَّدةً أم منسوخةً بناسخ حرفيّ أو فعليّ، ومثاله ما جاء في قصيدة ”تفاؤل وأمل“:67يتحدّث الشاعر عن مؤتمرٍ قد ساده الودّ والوفاق والتفاؤل والأمل، فيثني عليه بصيغة التعجّب الذي شرحه القطاوي بقوله:ورد على القياس، وذلك في قوله: ما أحلى التضامن والوفاقا؛ حيث جاء على صيغة ما أفْعَلَ، وهو يشي بشيءٍ من الإعجاب الشديد الممزوج بالأمل الصّادق، وهو مرتبطٌ بالحالة الشعوريّة الوطنيّة عند إبراهيم طوقان، ومهّد ذلك التعجّب من الأمر لو حدث بإيراد لفظ الجلالة مرّتين، وذلك حينما قال: اللهَ ثمّ اللهَ، وهو هنا يذكّرهم بالخالق سبحانه، وأنّه يراقب الأعمال.68ومن ثَمّ كانت المباركة للمؤتمر آملًا أن تؤتي ثماره أُكلها، فقد تألّف بدون نزاعٍ أو شقاق، وهو ما أفادته الجملة الفعليّة المعاقبة النعت في قوله ”بُورِكْتَ مُؤْتَمَرًا تألَّف،“ وهو ما أسهم أيضًا في إطالة بناء الجملة. ثمّ يخبر أنّ كثيرًا من الأفئدة قد راقت في هذا المؤتمر ولم تكن قبله كذلك؛ ومن ثَمّ فالوطن في ذلك اليوم ينعم بكؤوس الهناء كأنّها ماء يؤتى عليه، فتُفرَغ الكؤوس إفراغًا شديدًا. ولذلك طالبهم بعدم الاكتراث بالمشاغبين المتّصفة وجوهُهم بالقبح أملًا في مستقبلٍ مُشرِق.وأملًا في تجنُّب هذه الفئة المشاغبة كانت الجملة الاسميّة (لا بُدَّ مِنْ فئةٍ –أُجِلُّكُمُ – تَلَذُّ لها الفِتَنْ)؛ وذلك يفيد أنّه في ظلّ السعي إلى الأمل والتآلف لا بدّ من وجود فئةٍ من الناس تتلذَّذ بإشعال الفتن بين أبناء الوطن، لكنّ المخاطَبين ليسوا منهم، وهذا ما أفادته الجملة الاعتراضيّة. لقد أسهمت جملة النعت المعاقبة المفرد في إطالة بناء الجملة وفاءً بهذا المعنى، الذي ما كان له أن يفيَ به لو جاء بالنعت مفردًا.ومن الملاحظ أنّ المنعوت قد جاء نكرةً كما جاءت الجملة محتملةً الصدق والكذب، فشرطُ الجملة التي تقع صفةً أن تكون كذلك، تحرّزًا من الأمر والنهي والاستفهام نحو: قم واقعد ولا تقم ولا تقعد، وهل يقوم زيد، فإنّ هذه الجمل لا تقع صفات للنكرات كما لا تقع أخبارًا ولا صلات؛ لأنّ الغرض من الصفة الإيضاح والبيان بذكر حال ثابتة للموصوف، يعرفها المخاطَب، ليست لمشاركة في اسمه، والأمر والنهي والاستفهام ليست بأحوال ثابتة للمذكور يختصُّ بها، إنّما هو طلبٌ واستعلامٌ لا اختصاص له بشخصٍ من دون شخص.69 وقد اشتملت هذه الجملة على الضمير فحدث الربط بين المفهومين، أعني بين الموصوف وصفته، وهو ما أدّى إلى ”اتّصاف الموصوف بمضمون الصفة،“70 على نحو ما سبق من إيضاح.هذا فضلًا عن الإسهام في استقامة وزن المتكامل وتصحيح القافية برويّها النون الساكنة، وهذا ما يؤيّده قول الطريفي: ”وقد قسا إبراهيم على شِعره، وكان يتردّد قبل أن ينشر قصيدةً من قصائده، فقد كان يقف موقف ’الناقد الهادم‘ على حدّ تعبيره، يحطّم شعره بيده، إذا شعر بالتكلّف حسبما أوردت أخته فدوى.“712.3.2ثانيًا: جملة النعت المعاقبة المفرد في سياق الجملة الفعليّةمثال ذلك ما جاء في قصيدة ”تفاؤل وأمل“ حيث قول الشاعر:72يوصي الشاعر أبناء وطنه في إطار حديثه عن التفاؤل والأمل بعدم الاكتراث بمن يخوضون في الفِتْنةِ والأَخبار السيّئة، فإنَّ مطلبهم حقيرٌ ومنحصر في حبّ الظهور على أكتاف غيرهم غرورًا. وهنا ترد الجملة الفعليّة ذات الفعل المضارع التامّ (يكن) بمعنى يوجد (لَم يَكُنْ فَضْلٌ يَزِيْنُكَ) الواقعة في سياق جملة الشرط (ما لَم يَكُنْ فَضْلٌ يَزِيْنُكَ، فالظُّهُورُ هو الفجورُ)، وهو ما أسهم في إطالة بناء الجملة في سياق تجلّي تلمُّس الأمل. يدلّ ذلك على أنّه لمّا كان حبُّ الظهور على أكتاف الناس ديدن الفئة المتحدَّث عنها، فإنّ هذا الظهور هو الفجور بعينه ما لم يكن فضلًا مستمرًّا متجدّدًا يزيِّن صاحبه، وهو ما لا يستطيع النعت المفرد الوفاء به.وقد ترابطت هذه الجملة النعتيّة مع منعوتها عن طريق الضمير المستتر في الفعل (يَزِين)، فكان محيلًا إحالة داخليّةً إلى الفضل، وأسهمت في ترابط المفهومين، أعني مفهوم جملة النعت ومفهوم المنعوت. كما أسهم تعاقب جملة النعت مع المفرد في توافق النظام النحويّ مع النسج الشعريّ، فاستقام وزن مجزوء الكامل، وصحّت القافية. يقول الطريفي: ”نظر إبراهيم طوقان إلى مجتمعه، فرأى مَن يتسلّقون على ظهور غيرهم، ويتعالون بغرورهم، فقام بنقدِهم وتعريتهم وتعريفهم على حالهم، وكان في كلّ مرّةٍ يشخِّص المرض، ويعود إلى شدِّ أزر مَن ينقدهم ويطالبهم بالعودة إلى دينهم وإلى أخلاقهم، فهم لم يُخلقوا هكذا، وإنّ خاتمتهم الحتميّة هي الحقيقة، وهي حقيقتهم.“732.4المطلب الرابع: جملة المفعول به المعاقبة المفردقد يكون تجلّي الأمل في جملة المفعول به المعاقبة المفرد، فلمّا كان المفعول به يأتي مفردًا، فإنّه قد يأتي جملةً متعاقبة على المفرد، ويُقصد بالجملة التي تتعاقب على المفرد هنا ”المحكيّة بالقول، أو بما يرادفه، ولم تقترن بحرف تفسير، أو الواقعة في موقع المنصوب بفعلٍ قلبيّ أو ما يقوم مقامه، أو بفعلٍ من أفعال التحويل أو ما يقوم مقامه، أو بفعلٍ جاء في قَسَمٍ استعطافيّ، يتضمّن القصر،“74 وهو ما كان لدى إبراهيم طوقان في سياقات تجلّي الأمل، ويمكن التمثيل له بالآتي:2.4.1أوّلًا: معاقبة المفرد في جملة مقول القولمثال ذلك ما ورد في قصيدة ”تفاؤل وأمل“ التي يقول فيها:75ترد هذه الأبيات في مطلع قصيدة ”تفاؤل وأمل،“ ويطلب فيها الشاعر من بني جنسه الكفّ عن البكاء، فلا ينفع البكاء أو حرارة وَجْدِ الحزين والمحبّ أو الصّوت من غير بكاء، ثمّ يطلب من هذا الذي جرّده لمخاطبته بأن ينهض غير شاكٍ الزمان؛ لأنّ الشكوى تكمن في الكسل، ويطالبه بأن يسلك طريق الأمل والتفاؤل بهمّته العالية.هنا تأتي الجملة الفعليّة الطلبيّة (ولا تَقُلْ كَيْفَ السبيلُ)، وتقع جملة مقول القول (كيف السبيل) في محلّ نصب على المفعوليّة معاقبةً المفرد؛ وذلك لإفادة نفي استمرار تساؤل هذا المخاطب عن كيفيّة السبيل إلى الأمل، وهو ما لم يستطع المفعول به المفرد الوفاء به. كما أنّ هذا الضرب من التعاقب قد أسهم في استقامة وزن مجزوء الكامل وصحّة القافية.2.4.2ثانيًا: معاقبة المفرد في جملة ظنّ وأخواتهامثال ذلك ما جاء في قصيدة ”يوم الثلاثاء“ وفيها قول الشاعر:76يتحدّث الشاعر عن شبابه الذي ولّى ومضى آملًا الاهتداء والإنابة في بقيّة عمره، لكنّ قلبه لم يرضَ بما أصابه من الهوى، ومن أمارات ذلك أنّ نظرةً عابرة لم يقصدها جلبت له ما جلبت. ومن ثَمّ كان استخدامه فعلين من أفعال الرجحان، أوّلهما الفعل ”حَسِب،“ في الجملة الفعليّة الخبريّة المثبتة ”حَسِبتُ أنَّ الشبابا وَلَّى حميدًا وغابا،“ تلك التي يتّضح بها أنّ ”أنَّ ومعموليها“ قد سدّت مسدّ مفعولَي (حسِبَ) للتأكيد على ذهاب هذا الشباب وغيابه؛ أمّا الفعل الثاني من فعلَي الرجحان فهو ”ظنَّ“ في الجملة الفعليّة الخبريّة التي يكتنفها النفي والاستثناء (وما ظننتُ فؤادي إلَّا اهتدى وأنابا).وقد اتّخذت جملة ظنَّ نمط ”الفعل + الفاعل + المفعول الأوّل + المفعول الثاني جملة فعليّة،“ وتعاقبت جملة (اهتدى) على المفرد، وما ذلك إلّا من أجل دلالةٍ لا يفي بها المفرد، وهي أنّ فؤاده قد تغيّر مهتديًا، وأنّ هذا الاهتداء متجدّدٌ حينًا بعد حين لا سيّما أنّ الشباب قد ولّى. كما أسهم هذا التعاقب في استقامة الوزن وصحّة القافية، وهو ما يؤكّد أنّ النظام الفكريّ للّغة أصبح ذا مكانةٍ خاصّة عند النحاة على مستوى المفرد أو مستوى الجملة، وكلّ تغيُّرٍ أو تبدُّلٍ في تركيب الجملة إنّما يرجع إلى المعنى ومتطلّباته، أو بمعنى آخر فإنّ المعنى هو الذي يتطلّب هذا التغيّر والتبدّل، وما المعنى عندهم إلّا أنّه علاقةٌ بين الرمز والمدلول، وهذه العلاقة قد تكون طبيعيّةً بعيدةً من المنطق والعُرف، كإدراك جَرْس الكلمات والوزن والقافية، وقد تكون العلاقة عُرفيّة، كالعلاقة القائمة بين الألفاظ ومدلولاتها في المعاجم، وقد تكون منطقيّةً كالعلاقات النحويّة الخاصّة، كالفاعليّة والمفعوليّة والخبر والإنشاء.772.5المطلب الخامس: جملة المضاف إليه المعاقبة المفردقد يكون تجلّي ثيمة الأمل في تعاقُبِ الجملة على المفرد، فتكون في محلّ جرٍّ على الإضافة، والقول بهذا التعاقب من منطلق أنّ الإضافة في أصل أمرها إلى المفرد.78 وقد شاعت جملة المضاف إليه المعاقبة المفرد لدى إبراهيم طوقان في سياقات تجلّي الأمل، وهو ما يمكن التمثيل له بالجملة المضافة إلى ”إذا“ و”لمّا“ – على سبيل المثال – فيما يأتي:2.5.1أوّلًا: معاقبة المفرد في الجملة المضافة إلى ”إذا“قد تتجلَّى ثيمة الأمل في معاقبة المفرد في الجملة المضافة إلى ”إذا،“ ذلك التعاقب يمكن التمهيد له بقول سيبويه: ”وأمّا (إذا) فلِما يُستقبل من الدهر، وفيها مجازاةٌ، وهي ظرفٌ، وتكونُ للشيء تُوافِقُه في حالٍ أنت فيها،“79 ومثال ذلك ما ورد في قصيدة ”يا موطني“ حيث قوله:80يُدلي الشاعر بما قيل عن الشباب، وأنّهم أمل المستقبل، ويرى أنّهم بمثابة السيف القطّاع، وهنا تأتي جملة ”وإذا تَثقّفَ كان صافِي المَعْدن،“ وفيها ترد ”إذا“ ظرفًا لما يُستقبل من الزمان متضمّنةً معنى الشرط غير جازمة متعلّقة بجوابها مختصّة بالفعل، ولذلك أُضيفت إلى جملة الشرط الفعليّة؛ ومن ثَمّ كانت جملة ”تَثقّفَ“ في محلّ جرّ مضاف إليه، وهو ما أسهم في إطالة البناء النحويّ.لقد استفاد الشاعر من هذا المعطى النحويّ في سياق حديثه عن الشباب الذين هم أمل الوطن ومستقبله، للدلالة على أنّ الشباب إذا أُحسنت تربيتهم وحُذقت، وقُوِّم اعوجاجهم، كانوا شبابًا نافعين، مثلهم مثل السيف الذي إذا أُحسن صقْله كان صافي المعدن. علاوةً على ذلك، فإنّ إضافة ”إذا“ إلى الجملة وتعلُّقها بالجواب قد أسهما في استقامة وزن الكامل وصحّة القافية بحرف النون المكسور رويًّا.ولمّا كان التعبير عن الشباب قد ملك عقل الشاعر، لم يفته في البيت الثاني أيضًا أن يُعجَب إعجابًا غير مطلق، فقيّده بحالة معيّنة تكمن في عدم الافتتان بغير الوطن، يوضحها قوله ”مَرْحَى لشبَّانِ البلادِ إذا غدا كلٌّ بغير بلادِه لم يُفْتَنِ.“ أُضيفت (إذا) إلى جملة فعليّة (غدا كلٌّ بغير بلادِه لم يُفْتَنِ)، تلك الجملة التي عاقبت المفرد، فاستطال البناء من أجل الوفاء بالمعنى النصّيّ الذي يريده الشاعر، وهو أنّ هذا الشباب مرحَّبٌ به في الوقت الذي يصبح فيه كلٌّ منهم مفتونًا ببلاده مهتمًّا بها لا بغيرها، وهو ما أسهم أيضًا في استقامة وزن الكامل وصحّة القافية.2.5.2ثانيًا: معاقبة المفرد في الجملة المضافة إلى ”لمَّا“قد يكون تجلّي ثيمة الأمل في معاقبة المفرد في الجملة المضافة إلى ”لمَّا،“ وهذا ما يكتنفه أنّ ”لمَّا“ تختصّ بالجملة الفعليّة عند مَن قال باسميّتِها، فهي ظرف زمان بمعنى حين، وهو ما يراه ابن السرّاج (ت 316/929) وأبو عليّ الفارسيّ (ت 377/987) وابن جنّي (ت 392/1002) والعكبريّ (ت 616/1219) وابن يعيش وغيرهم81 وقال عنها سيبويه: ”وأمّا (لمَّا) فهي للأمر الذي وقع لوقوع غيره“؛82 ومن ثَمّ فهي حرفٌ عنده، نحو ”لَمَّا جَاءَنِي أَكْرَمْتُهُ،“ ومثال ذلك ما ورد في قصيدة ”الثلاثاء الأحمر“:83يقول محمّد حسن عبد الله عن هذه الأبيات أنّها:تفجّرت من حادث تنفيذ حكم الإعدام علانيةً في ثلاثة أبطال من أبطال فلسطين (وهي في فداحة دنشواي، وبعدها باثنين وعشرين عامًا، والفاعل فيهما واحدٌ، للهدف نفسه). هذه القصيدة درّة قصائد البطولة في شعر إبراهيم، كما كان مشهد الإعدام علامةً لا تُنسى، ولا تُتأوَّل فيما تعنيه، فقد رسم تنفيذ الحكم على الثلاثة الأبطال: فؤاد حجازي، وعطا الزير، ومحمّد جمجوم، على أنْ يُقدَّموا بهذا الترتيب مع ساعة فارقة بين كلّ واحد والذي يليه، إمعانًا في تعذيبه وتعميقًا للخوف والرهبة لدى شاهدي الساحة.84ونلاحظ أنّ الشاعر قد بدأ الأبيات بكلمة ”لمَّا“ الحينيّة التي هي ظرف زمان مبنيٌّ على السكون في محلّ نصب، متعلِّقٌ بالفعل ”تعرَّض،“ وذلك في قوله ”لمَّا تَعرَّض نَجْمُكِ المنحوسُ وتَرنَّحتْ بعُرى الحِبالِ رؤوسُ، ناحَ الأذانُ وأعولَ الناقوسُ.“ عاقبت جملةٌ المفردَ بعد ”لمّا“ الحينيّة، فِعلها ماضٍ لفظًا ومعنى، وقد عُطِفت عليها جملةٌ أخرى؛ ومن ثَمّ فهي في محلّ جرّ، وهو ما استغرق البيت كلّه. ثمّ جاء جواب ”لمّا“ في البيت الثاني حيث الجملة التي لا محلّ لها من الإعراب ”ناحَ الأذانُ،“ ذات الفعل الماضي لفظًا ومعنًى، وهو ما يفصح عن إسهام الجملة المضافة إلى ”لمّا“ في استطالة البناء النحويّ في سياق حديث الشاعر عن هذا اليوم الذي وصفه بأنّه غير سَعْد.بدأت تلك الجملة بإحالة خارجيّة في كلمة ”نجمُك،“ فالكاف تحيل إلى ما هو خارج سياق الكلام، اليوم المتحدّث عنه، وهو ما أسهم في الربط بين النصّ وخارجه إذا أعمل المتلقّي ذهنه في المحال عليه. يقول الشاعر بأنّه لمّا لاح نجمُ هذا اليوم الذي ليس بسعد، وتمايلت رؤوس الناس فيما اتُّخذ عروةً من الحبال تجهيزًا لإعدام الأبطال؛ ومن ثَمّ علا صوت الحزن، ورُفع صوت الناقوس حزنًا على أناس ستنتهي حياتهم، كان الليلُ أسود غير صافٍ، وكان النهار شديدًا. وهو ما يتناسب مع استيفاء الشاعر تفعيلات بحر الكامل في بيتين ثمّ تراجعه إلى تفعيلتين في الشطر، يقابلهما في الشطر الثاني تفعيلة واحدة في بيتين تاليين، ثمّ يعود الشاعر فيستكمل تفاعيله في البيت الخامس، فضلًا عن أمر التشكيل القافويّ المسمّى بنسق ”التسميط“ في القافية.85أعود إلى الجملة المضافة فأشير إلى أهمّيّتها بالنظر إلى الأصل في الإضافة، من جهة استطالة البناء النحويّ محلّ الحديث أملًا في الخلاص من هذا الليل الأكدر وذلك النهار العبوس. وقد أسهمت هذه الاستطالة في توافق النظام النحويّ مع النسج الشعريّ، فاستقام وزن الكامل، وصحّت القافية.وفي كلّ ما سبق ما يدلّ على أنّ النحو في إبداع إبراهيم طوقان ”سرُّ صناعة العربيّة، فهو رابط الصِّيَغ الذهنيّة، وهو الذي يساعد اللغة على تخطّي كلّ الصعاب وصولًا إلى عمليّة الإبداع. لقد أصبح النحو في كثير من مباحثه يستهدف تحليل علاقة الألفاظ المستقلّة بالمعاني، ثمّ يستهدف تبعًا لذلك طبيعة الوحدات الكلّيّة وعلاقاتها التجاوريّة التي يبدعها النحو، أو لِنَقُل إنّها هي التي تبدع النحو الخاصّ بها.“86إنّ تجلّي ثيمة الأمل لدى إبراهيم طوقان كان في التوفيق بين النظام النحويّ والإبداع الشعريّ، من خلال الجملة المعاقبة المفرد، وهو ما انعكس في إطالة بناء الجملة الأساسيّة أو الجملة الكبرى التي تكون الجملة المعاقبة المفرد فيها بمثابة عنصر من عناصرها، وانعكس ذلك على الشحنات الدلاليّة في النصّ. نختم بقول عبد الله: ”يستحقّ إبراهيم طوقان – عن جدارة – أن يكون شاعر الثورة، وشاعر الوطنيّة، والحرّيّة، والقوميّة؛ إذ تُبنى بشعره أشواق الإنسان العربيّ وأحلامه، وعبّر عن حِسِّه التاريخيّ، وإيمانه بخصوصيّته.“87الخاتمةاتّضح أنّ ثمّة علاقةً بين تجلّي ثيمة الأمل والسياقات السياسيّة والوطنيّة في شعر طوقان، فضلًا عن سياقات الغزل والسياقات الاجتماعيّة؛ ومن ثمّ بدت براعة حُسن التخلّص من أيّ سياق يتحدّث فيه إلى اتّخاذه أملًا، وهو ما يُفضي إلى أنّ سَبْر الأبعاد الدلاليّة لمثل هذه المفاهيم عن طريق البناء النحويّ يُسهم في فهم أعمق للسياقات الخاصّة بالأدب العربيّ.إنّ تجلّي ثيمة الأمل في شعر إبراهيم طوقان لا ينفصل عن البنية النصّيّة لديه، بل توجد علاقةٌ بينه والبنية النصّيّة النحويّة من خلال طول التعدُّد وطول التعاقب، ترتبط بالمعنى النصّيّ المراد التعبير عنه. ويمكن التوصُّل إلى أنّه ثمّة حاجة إلى طول التعدّد أو طول التعاقب في سبيل تجلّي أيّ ضرب من ضروب الأمل، يرتبط بما يتحدّث عنه الشاعر في نصٍّ ما.ثمّة علاقةٌ بين تجلّي الأمل متعانقًا مع البنية النصّيّة من خلال الاستطالة النحويّة بطول التعدُّد والتعاقب وبين النسج الشعريّ لدى الشاعر، في إطار النظر إلى أنّ كلًّا من الوزن والقافية جزءٌ من إنتاج المعنى النصّيّ.
Al-Markaz: Majallat al-Dirāsāt al-ʿArabiyya – Brill
Published: Mar 13, 2023
You can share this free article with as many people as you like with the url below! We hope you enjoy this feature!
Read and print from thousands of top scholarly journals.
Already have an account? Log in
Bookmark this article. You can see your Bookmarks on your DeepDyve Library.
To save an article, log in first, or sign up for a DeepDyve account if you don’t already have one.
Copy and paste the desired citation format or use the link below to download a file formatted for EndNote